17 - 07 - 2024

تباريح | دولة عباس كامل وشركاه

تباريح | دولة عباس كامل وشركاه

(أرشيف المشهد)

  • 28-10-2015 | 00:28

مارأيت رجلا خيب آمال محبيه وحقق كل ما يتمناه أعداؤه على نحو ما فعل الرئيس عبد الفتاح السيسي ، كان بإمكانه أن يصبح بطلا شعبيا ، تتغنى به الأجيال .. وضيع الفرصة ، وكان يمكن أن يصبح زعيما سياسيا يعيد لمصر الوهج الذي اختفى برحيل عبد الناصر .. وضيع الفرصة ، وكان يمكن أن يصبح رئيسا ديمقراطيا بحق ، يحقق أحلام المصريين في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وسيادة القانون .. وضيع الفرصة.

اختار الرجل بدلا من هذا المجد كله أن يكون رئيسا في دولة عباس كامل ، في سياق ليس بعيدا تماما عن السياق الذي كان فيه محمد مرسي عيسي العياط رئيسا لدولة حاكمها الفعلي هو مكتب إرشاد جماعة الإخوان !!

السيسي الذي عرفه الناس وزيرا للدفاع ومرشحا للانتخابات الرئاسية ليس السيسي الرئيس  ، وأظن أنه لو قدر لهما أن يتواجها لقال الأول للثاني : كفى ، أنت لا تصلح لتكون أمينا على أحلام المصريين !!

حين تم اختيار أحمد الزند وزيرا للعدل ومن بعده شريف إسماعيل رئيسا للوزراء ، أيقنت تماما أننا في دولة عباس كامل ، فرئيس الوزراء الجديد هو نفسه من وصفه عباس كامل في أحد التسريبات بـ"الصايع الضايع" وقالها بإعجاب شديد ، وكان طبيعيا أن يأتي المعجب (بفتح الجيم) بمعجبه . هو أيضا المنفذ لفكرة "الأذرع الإعلامية" وبناء عليه لم يكن غريبا أن يصبح عبد الرحيم علي أول نائب يعلن فوزه في انتخابات البرلمان ، بينما أجبر نجوم من نوعية باسم يوسف ويسري فودة على الاختفاء ليس فقط من الحياة العامة ، بل من الشاشات.

السيسي الذي أظهر للناس أنه متدين بالفطرة ، صاحب قلب كبير ، جياش العواطف ، مخلص حتى النخاع ، لا يتسق مع مانراه على أرض الواقع من صنع دولة خوف ، يخشى كل أحد فيها أن ينطق لكي لا يصبح مقطوع اللسان أو رهين جدران الزنازين ، لايتسق أبدا مع واقع تكون فيه رولا خرسا وأحمد موسى وعشرات غيرهم ممن يعرف الناس ماضيهم وحاضرهم الملوث هم الناطق باسم السلطة والمقرب منها .

الرجل الذي قال يوما إن هذا الشعب يحتاج إلى من يحنو عليه ، و"انتم ماتعرفوش إنكم نور عينينا واللا إيه" لم يكن منتظرا منه أن يقيم أركان دولة لاعدل فيها ، تنسى الآلاف من الأبرياء في السجون ، وتعيد الشرطة إلى زمن انتهاك القانون والاستهزاء به ، وإلهاب ظهور الناس بسياط الغلاء ، واختيار أسوأ العناصر لتبوؤ أعلى المناصب ، وإلغاء الحياة السياسية تقريبا ، عبر الايحاء بأن المطبلين والمزمرين وحدهم هم من سيجدون مكانا تحت الشمس ، يصبحون نواب برلمان ومسؤولين كبار وأصحاب كلمة مسموعة .. أما الكفاءات الحقيقية ومن يستخدمون عقولهم النزيهة المتجردة لانتقاد ماهو سييء ومسيء للدولة والنظام ، فهؤلاء طابور خامس ومغضوب عليهم ومحل اتهام إلى أن يثبت العكس.. مع أن من يضحي بمصالحه الشخصية في سبيل مصلحة مصر هم الأكثر انتماء ووطنية وحبا لهذه البلاد ، وكثير أولئك الذين يحبون بصدق إلى درجة التفاني ، ويستطيعون قيادة هذه المرحلة الصعبة من تاريخ البلاد ، لكن السلطة لاترى.

ليس المقصود بالعنوان الشخص ذاته ، فقد يكون أهون من أن يؤثر في مجريات الأمور إلى هذا الحد ، لكن المقصود الأفكار والممارسات العقيمة والرؤية القاصرة.

نقطة ضعف النظام الأساسية ، هي "بارانويا العسكرة" ، لنلاحظ أن أول سؤال ، احتد بسببه السيسي أيام كان مرشحا رئاسيا تضمن كلمة "العسكر" وبمجرد ذكر اللفظ بغض النظر عن مضمون السؤال ، أجاب المرشح وهو ينظر بغضب للزميل إبراهيم عيسي "مش هاسمحلك"، تسببت هذه البارانويا منذ 3 يوليو في إبعاد كل شركاء 30 يونيو وصناعها ، فلم توافق الأجهزة على مقترح جبهة الإنقاذ بتولي محمد البرادعي رئاسة وزراء مصر ، بذريعة أن هناك طرف من أطراف المعسكر يرفض ذلك ، ولم يكن هذا الطرف غير حزب النور ، ثم تم التخلص من البرادعي ببساطة وتخوينه في أول خلاف حول فض "رابعة". وتسببت هذه البارانويا فيما بعد في تشغيل "ذهنية الاختزال" ، فتم اختزال مفهوم الرئيس المدني في نموذج قاصر هو نموذج الرئيس المعزول محمد مرسي ، وكان الرأي يتجه نحو رئيس مقلص الصلاحيات ، يحكم بمشاركة البرلمان وتحت رقابته ، ولا يستطيع عزل وزير الدفاع ، ثم أزيح هذا الخيار كله جانبا ، ليدفع وزير الدفاع للترشح بعد تمهيد الطريق له بكاسحات ألغام . ومن هذه الفترة تمت صياغة دستور 2014 وتمريره ، ومن ثم جاءت عبارة أنه صيغ "بحسن نية" ، وهي عبارة صحيحة لتوصيف شخصي بحت ، إذ أن نية الترشح للرئاسة لم تكن وجدت بعد !! ، وبعدها لم يكن المجال متاحا لترك مصر تتنفس الديمقراطية ، بل أخذت تتنفس الرجل الواحد الذي رشحه الجيش ، والذي اعتبرت فرضية هزيمته في الانتخابات بمثابة "هزيمة لإرادة الجيش". بناء عليه تحركت كل أذرع الدولة العميقة إعلاميا وسياسيا وماليا لجعل نتيجة الانتخابات مضمونة (من حيث النتيجة) ومستوفاة للشكل المطلوب (فتم الضغط على المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي حينا واستجداؤه حينا آخر ، ليخوض المعركة من أجل مصر لا من أجل شخصه ، وتم التمثيل به "من أجل مصر أيضا !! " لينال 800 ألف صوت فقط ، بعد أن نال في أكثر انتخابات رئاسية نزاهة في تاريخ مصر نحو 5 ملايين صوت ، ثم سحبت حراسته في وقت لاحق .. وبشكل مهين)

بارانويا العسكرة بدأت بقبول الرئيس السيسي رتبة المشير من رئيس مؤقت ، وهي لاتختلف كثيرا من حيث المضمون عن الرتبة التي منحها الرئيس البشير لنفسه ، ثم في تقليص من يستشيرهم ويصادقهم إلى عدد لا يجاوز أصابع اليد الواحدة بعد أن أصبح رئيسا الثابت منهم الفريق مهاب مميش واللواء سامح سيف اليزل ورئيس الأركان الفريق محمود حجازي والمتغيرون أيضا قلة ، متصورا أنه لم يبرح مكانه كرئيس للمخابرات الحربية .

ترتب على هذا أيضا إبقاء الأوضاع على ماهي عليه وانعدام الرغبة في التغيير الذي يمس جوهر الأشياء ، وكراهية التفكير خارج الصندوق ، والراحة للتعميم ، وعدم تجريب خيارات جديدة في الحكم ، تتناسب مع من صور نفسه يوما بأنه على قناعة بطموحات وأحلام 25 يناير ، والنتيجة برلمان ، حصل في المرحلة الأولى لانتخاباته من يملكون الثروة والنفوذ ، على الغالبية العظمى من المقاعد. وكانت تلك رسالة لاتخطؤها أذن لملايين الميادين أن ابحثوا لكم عن وطن آخر.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!